الخبر بكل أبعاده

من واجهة المعارضة إلى الهامش.. هكذا تراجع سيد ابراهيم خيا سياسياً !

0

هلا نيوز – هيأة التحرير

لم يكن تراجع سيد إبراهيم خيا في تثبيت موقعه داخل الخارطة السياسية لإقليم بوجدور مفاجئًا بالنسبة للعديد من المتابعين المحليين. فالانكماش التدريجي في حضوره السياسي والاجتماعي، وتراجع تأثيره على مستوى القواعد، ثم الانسحاب العملي من المشهد المؤسساتي، جميعها مؤشرات تكشف عن مسار سياسي انتهى بذبح من الوريد إلى الوريد، بعدما افتقد مقومات البقاء والاستمرارية، سواء على مستوى الفكر السياسي أو الأدوات التنظيمية.

غياب مشروع سياسي متكامل

على الرغم من ظهوره المتكرر في بعض المناسبات السياسية، فإن سيد إبراهيم خيا لم يستطع، طيلة مسيرته، تقديم تصور متكامل أو برنامج سياسي واقعي يضع الساكنة في صلب الاهتمام. فقد اكتفى بخطابات عمومية وشعارات “نضالية” تتكرر في كل مناسبة، دون أن ترتبط بسياق تنموي محلي واضح، أو تجيب عن الأسئلة الحقيقية التي تؤرق المواطنين خاصة الملفات التي تشكل العمود الفقري للعمل السياسي الحقيقي.

وقد أدى هذا العجز في بلورة رؤية ملموسة إلى خلق فجوة بين خيا وشرائح واسعة من الساكنة، خاصة فئة الشباب التي تبحث عن خطاب واقعي، يتجاوز التمركز حول الذات، ويمنحهم مكانًا في عملية التغيير والتنمية.

السقوط في العزلة السياسية والاجتماعية

أحد أبرز مظاهر إخفاق خيا يكمن في عجزه عن بناء تحالفات محلية أو إقليمية فعالة، سواء داخل المجالس المنتخبة أو في المجتمع المدني. فالمشهد السياسي لا يتحمل الفاعل “المنعزل” الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الدينامية المؤسساتية، وهو ما عاناه خيا لسنوات، حيث ظل يتحرك كصوت فردي، يفتقد لقاعدة تنظيمية أو هيكل حزبي قوي يمكن أن يُسنده في اللحظات المفصلية.

وقد انعكست هذه العزلة بشكل مباشر على حضوره الحزبي، حيث أظهرت فعاليات المؤتمر الحزبي الاخير للتجمع الوطني للاحرار بالعيون، تراجعًا حادًا في حجم الدعم الشعبي الذي يحظى به، مقابل صعود نخب جديدة استطاعت أن تتواصل مع المواطنين بلغة المصالح المشتركة والبرامج القابلة للتنفيذ.

خطاب نضالي خارج السياق المحلي

ظل خيا وفيًّا لنمط خطاب يعتمد على “النضال الرمزي” أكثر من كونه عملًا سياسيًا مدنيًا مؤطرًا. هذا الخطاب، الذي قد يجد صدًى في بعض الأوساط خارج الإقليم، لم يعد ينسجم مع الواقع المحلي في بوجدور، حيث أصبحت الأولويات ترتبط بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، بدل السجالات الإيديولوجية التي لم تعد تحظى بنفس الزخم أو القبول.

بل إن هذا الإصرار على خطاب متخشب أفقده حتى تعاطف بعض الفاعلين الحقوقيين والمدنيين الذين كانوا يرون فيه سابقًا صوتًا “معارضًا” مقبولًا، ليتحول تدريجيًا إلى شخصية خارج السياق الفعلي للحراك المحلي.

فشل في قراءة التحولات المجتمعية

شهد إقليم بوجدور خلال العقد الأخير تغيرات سوسيوسياسية عميقة، أبرزها بروز طبقة شابة جديدة تحمل مطالب مختلفة، وتبحث عن تجديد حقيقي في الوجوه والبرامج السياسية. خيا لم يستوعب هذا التحول، بل ظل متمسكًا بأدوات قديمة في الفعل السياسي، قائمة على “الشرعية التاريخية” أو “الرمزية النضالية”، متغافلًا عن أن السياسة اليوم أصبحت فنّ إدارة الممكن، والتواصل الفعال، والاستجابة السريعة للتحولات.

الارتباك في التموقع السياسي

من المعضلات الكبرى التي واجهت مسار خيا، غموض تموقعه السياسي؛ إذ لم يكن من الممكن تصنيفه بدقة داخل الطيف السياسي المحلي. فهو لا يمثل معارضة منظمة ذات امتداد حزبي، ولا يشغل موقعًا مؤثرًا في المجالس المنتخبة، كما لا يقود حركة اجتماعية مؤثرة. هذا الوضع ضاعف من غموض صورته لدى الرأي العام المحلي، وجعل الكثيرين يتساءلون عن دوره الفعلي ومشروعه المستقبلي، إن وُجد أصلًا.

إن تجربة سيد إبراهيم خيا تمثل في نظر كثير من المتابعين نموذجًا لفشل سياسي مركب، سببه الأساسي عدم القدرة على التجاوب مع متطلبات اللحظة، وعدم مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المحلي. فالإقليم لم يعد يتسع للخطابات العامة والرمزية، بل صار في حاجة إلى كفاءات سياسية حقيقية، قادرة على الاشتغال من داخل المؤسسات، وبلورة تصورات ملموسة تقنع المواطن وتستقطب ثقته.

 
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.